صحيفة فرنسية: ما الذي تريده إيران من نقل صواريخها البالستية إلى قلب اليمن؟

* صحيفة "لوريان لوجور" الفرنسية

من لبنان والعراق إلى اليمن وسوريا، نشرت إيران صواريخها البالستية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لضمان إبقاء أي حرب مستقبلية بعيدة عن أراضيها قدر الإمكان.

بالنسبة لطهران، قضية الصواريخ البالستية مسألة غير قابلة للنقاش. وافقت إيران على تجميد برنامجها النووي، وربما توافق على نقاش دورها في الشرق الأوسط، لكن على الرغم من الضغط الغربي، ليس لدى طهران نية للتخلي عن صواريخها الباليستية، بل تعمل جاهدة على نشرها في اليمن عن طريق وكيلها الحوثي والشرق الأوسط، بهدف نقل أي حرب مستقبلية بعيدة عن أراضيها وتهديد جيران اليمن من الدول الخليجية.

لدى القوى الأمريكية والأوروبية آراء متباينة بشأن الاتفاق النووي الإيراني، لكن جميعها تتفق على أن صواريخ طهران البالستية تشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي، وتدفع باتجاه وقف نشرها في المنطقة. وازدادت المخاوف الغربية في وقت سابق من هذا الشهر، بعد أن أجرت إيران تجربة جديدة على صواريخ بالستية متوسطة المدى. ودعت الولايات المتحدة الدول الأوروبية، التي تواصل دعمها للاتفاق النووي، إلى فرض عقوبات على برنامج الصواريخ البالستية الإيراني. وقالت الولايات المتحدة، إن البرنامج يمثل "تهديداً خطيراً ومتنامياً" لدول المنطقة لاسيما أن هذا النوع من الأسلحة قادر على حمل رؤوس نووية متعددة، وهو انتهاك لشروط الاتفاق النووي.

لقد سعت إيران إلى تحسين قدراتها العسكرية طوال ما يقرب من أربعة عقود، لكن القيادة جعلت تطوير الصواريخ البالستية في قلب هذه الجهود. والهدف من نشرها هو نقل الحروب المستقبلية خارج حدود البلاد.

ورغم الجهود الأخيرة في تطوير طائرات جديدة وسفن قتالية بحرية، إلا أن العديد من قطاعات الجيش الإيراني لا تزال ضعيفة وهشة. ولذلك، يعد برنامج الصواريخ تعويضاً عن نقاط الضعف التي تحد من قدرات الجيش الإيراني، بل وأصبح رمزًا حقيقيًا للقوة الإيرانية.

وقد أكد على هذا الطرح الخبير الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أليكس فتانكا، بقوله إن "سلاح الجو الإيراني محدود للغاية، والبحرية ضعيفة، والقوات البرية التقليدية ليست ماهرة هجومياً، ولهذا تعتمد طهران بشكل رئيس على وكلائها في اليمن والمنطقة".

ويقول رياض خواجي، مدير معهد الشرق الأدنى والخليج "يمكن للصواريخ البالستية أن تسافر آلاف الأميال، وهي مثالية بالنسبة للدول التي لا تستطيع تحمل الحروب على أراضيها، أو لا تستطيع الاعتماد على قوة جوية قادرة على اختراق المجال الجوي للدول الأخرى".

كما أصبحت الصواريخ البالستية أداة دعائية في طهران، يروج لها النظام أمام الشعب على أنها الوسيلة الدفاعية الوحيدة لحماية البلاد، وهذا ما يمكن رؤيته في خطابات الجمهورية الإيرانية.

ويشير المؤرخ والخبير في السياسات الإيرانية، جوناثان بيرون: "أصبحت الصواريخ حجر زاوية في الخطابات الإيرانية، ويمكنك رؤية تمثيلات الصواريخ حتى في المتنزهات العامة في المدن الإيرانية. ليس هذا فحسب، قامت طهران بتطوير لعبة فيديو تستخدم فيها الصواريخ لتدمير السفن السعودية وحاملات الطائرات الأمريكية".

وأوضح الخبير في معهد الشرق الأوسط، فاتانكا، أن الحرس الثوري الإيراني يحاول استغلال الصواريخ لنشر رواية أمام الشعب، مفادها أن الإيرانيين في أياد أمينة، وأن إيران دولة قوية يمكنها الدفاع عن نفسها، لكن الحقيقة الثابتة تقول إن لا أحد في إيران يريد أن يرى هذا النوع من السيناريو، بل إن الشعب الإيراني بأغلبيته يخشى الحروب.

سلاح إقليمي

بعد أن أصبحت الصواريخ البالستية محوراً رئيساً في سياسة طهران الإقليمية، ازداد التأثير الإيراني في الشرق الأوسط بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وأرسلت إيران عددا هائلا من الصواريخ إلى الميليشيات المتحالفة معها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. هذه الصواريخ يمكنها أن تصل إلى أي بلد في المنطقة، وليس السعودية فحسب من اليمن.

ويقول خبير الشؤون الدفاعية في المعهد الأمريكي الدولي للدراسات الاستراتيجية، مايكل إيليمان لصحيفة "لوريان لوجور": "رأينا إيران تمد الحوثيين في اليمن بصواريخ بالستية متوسطة المدى، وكذلك حزب الله بصواريخ تكتيكية قصيرة المدى".

ولكن بالإضافة إلى الحوثيين وحزب الله، حصلت الميليشيات الشيعية الأخرى المدعومة من إيران في العراق وسوريا على هذه الصواريخ وغيرها من الترسانة المدمرة.

في 31 أغسطس، ذكرت صحيفة "تايمز أوف لندن" أن إيران بدأت في بناء مصنع للصواريخ البالستية بالقرب من مدينة بانياس الساحلية السورية، التي لا تبعد كثيراً عن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.

ويقول رياض خواجي، مدير معهد الشرق الأدنى والخليج "إن موقع المصنع سيسمح ليس بحماية نظام الدفاع الجوي الروسي S-400 فقط، بل سيحميها أيضا من الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تهاجم أهدافًا إيرانية في سوريا لأكثر من عام".

ووفقاً لصحيفة التايمز، تحاول إيران أن تعطي النظام السوري تكنولوجيا صاروخية باليستية أكثر دقة. لقد سمح انتشار الصواريخ في المنطقة لإيران بتقوية وزنها العسكري في الشرق الأوسط بشكل كبير. لكن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران يمكن أن تعطل هذا التطور من خلال التأثير سلباً على نوعية المعدات العسكرية المتاحة لإيران، وفقاً للصحيفة البريطانية.

وقال الخبير المتخصص في الشؤون الإيرانية جوناثان بيرون، "إن هدف طهران من هذه الصواريخ هو إزالة أي تهديد مباشر من حدودها، خاصة في ظل تورطها في الصراعات التي تشارك فيها، في اليمن وسوريا، حيث لا يمكن لأي من الأطراف المتحاربة الاستفادة من الوضع".

الاستخدام المباشر وغير المباشر

لقد استخدم النظام الإيراني صواريخه ضد جماعات غير حكومية في الأشهر الأخيرة، مثل الهجوم ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في العراق، وكذلك الهجوم على المنطقة الناطقة بالعربية في خوزستان جنوب غربي إيران في شهر أكتوبر.

لكن النظام الإيراني يستخدم هذه الصواريخ بشكل غير مباشر وعبر وكلائه الإقليميين التابعين، مثل المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين أطلقوا عشرات الصواريخ على المملكة العربية السعودية.