كأس إفريقيا.. عندما تجمع الكرة منتخبات دولٍ حاربت بعضها

ليست كرة القدم مجالاً للتنافس الرياضي الصرف فقط، بل قد تتأثر كذلك بأحداث سياسية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمنتخبات. وتعطي النسخة الحالية من كأس إفريقيا في مصر أمثلة كبيرة لهذا التداخل.

في الوقت الذي تؤكد فيه الاتحادات الرياضية ضرورة فصل تام بين السياسة والرياضة، يقتنع المتتبعون أن الجانبين يتداخلان أكثر من مرة، سواء بشكل مباشر، وهو أمر قليل الحدوث، وبشكل غير مباشر، وهو ما يحدث بكثرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بنزال رياضي بين دولتين متنازعتين.

ويعدّ كأس إفريقيا إحدى المناسبات التي تجمع منتخبات تمثل دولاً جمعتها أو تجمعها حالياً نزاعات، وجلّ هذه النزاعات هي حدودية بالأساس، بينما يعود بعضها إلى الاختيارات السياسية في قضايا معينة. وكثيراً ما تحوّلت هذه النزاعات إلى حروب دموية، حاولت الكرة أن تخفف من وقعها، وأن تحاول خلق مجال للتنافس الشريف المبني على الروح الرياضية بدل الاحتكام إلى لغة السلاح.

بين الكاميرون ونيجيريا

التقت الكاميرون ونيجريا في دور الثمن خلال هذه الكأس، إذ يعد المنتخبان من أقوى منتخبات القارة السمراء، لكنهما تواجها سابقاً في حرب دامية خلفت عددا من القتلى على شبه جزيرة باكاسي في خليج غينيا. شأنه شأن جلّ النزاعات الحدودية، يرجع الخلاف بينهما إلى العهد الاستعماري، لكن المواجهة احتدمت بينهما بدءا من عام 1981، كما وقعت معارك مسلحة بين الطرفين في الأعوام الموالية بعد اتهامات متبادلة بانتهاك السيادة على شبه الجزيرة.

عُرضت القضية على محكمة العدل الدولية بطلب من الكاميرون، وبعد سنوات انتظار، أصدرت المحكمة قرارها الشهير عام 2002 بأن باكاسي تعود للكاميرون، بناءً على اتفاق بين ألمانيا وبريطانيا الاستعماريتين عام 1913. اعترضت نيجيريا على القرار، لكنها سلمت شبه الجزيرة عام 2008 في عملية دامت سنتين برعاية الأمم المتحدة، شابتها أحداث عنيفة بدأتها مجموعات نيجيرية مسلحة رفضت الاتفاق.

دماء بين جنوب إفريقيا وناميبيا

التقى المنتخبان في الدور الأول، وذكرت مواجهتهما ما حدث بينهما من معارك دامية عندما كانت الأولى تحت استعمار الثانية. عُرفت الحرب بين الطرفين باسم "حرب حدود إفريقيا الجنوبية"، وقد كانت ناميبيا تحمل آنذاك إسم جنوب غرب إفريقيا. امتدت المواجهة على التراب الناميبي، وكذلك الأنغولي، حيث وقفت أطراف إقليمية وحتى دولية إلى جانب الطرفين في معارك زادت لهيب الحرب الأهلية-الأنغولية.

انتهى النزاع باتفاق وقف إطلاق النار بين جنوب إفريقيا ومنظمة SWAPO (منظمة شعب جنوب غرب إفريقيا) عام 1998 في نيويورك تحت رعاية مجلس الأمن، ثم تنظيم انتخابات لتقرير مصير ناميبيا، أدت إلى إعلان الاستقلال عام 1990، قبل أن تعود مدينة ولفس بي الاستراتيجية إلى ناميبيا عام 1994. لكن مع ذلك، لا يزال التوتر بين الجانبين حاضراً بسبب خلاف على الحدود، وتحديداً في نهر أورانج الذي يمر على عدة دول في جنوب القارة، وهو خلاف يعود في الأصل إلى عهد الاستعمار بين بريطانيا وألمانيا.

"خاوة-خاوة" في وجه النزاع

منى الكثير من المغاربة والجزائريين أنفسهم أن يجمعهم نهائي هذه النسخة قبل أن يتأجل الحلم مرة أخرى. أرادوا اللقاء فرصة لمباراة تاريخية بين شعبين متقاربين، عانيا كثيراً من التوتر السياسي بين الدولتين بسبب نزاع "الصحراء الغربية". تقف الجزائر إلى جانب البوليساريو، الجبهة الراغبة باستفتاء لتقرير المصير يؤدي إلى انفصال الإقليم عن المغرب، بينما يتشبت هذا الأخير بسيادته على المنطقة ويقترح بدلا عن الاستفتاء حكماً ذاتياً.

قبل اندلاع نزاع الصحراء، تواجه الجانبان في حرب الرمال عام 1963 بسبب الخلاف على الحدود الموروثة عن الاستعمار الفرنسي. ورغم عدم تصادمهما عسكرياً بعد ذلك، تكرّرت المناوشات اللفظية بينهما، رغم الرسائل البروتوكولية التي يتبادلانها. أُغلقت الحدود البرية بينهما عام 1994 بقرار جزائري رداً على فرض المغرب التأشيرة على المواطنين الجزائريين، ما أدى إلى انفصال الكثير من العائلات على الحدود، حيث تضاعفت المعاناة مؤخراً بتشييد سياجات عازلة.

نزاع على صخرة!

أقصي المنتخب الكيني في دور المجموعات، ثم أقصي الأوغندي في الدور الثاني، وبالتالي تفاديا إمكانية مواجهة مباشرة بينهما، قد تجعل جماهيرهما تستعيد ما حدث من نزاع بين الدولتين على خلفية جزيرة ميغينغو، التي لا تتجاوز مساحتها ألفي متر مربع، ويسكنها حوالي 500 نسمة من الجانبين. تصفها الكثير من التقارير بصخرة وسط الماء عوض الجزيرة، ولا تتوفر سوى على دور الصفيح ومركزين للشرطتين الأوغندية والكينية.

بدأت فصول النزاع في التسعيينات عندما نشرت أوغندا قواتها الأمنية في الجزيرة بحجة حماية الصيادين من القراصنة وبدأت في فرض ضرائب عليهم، قبل أن تتهمم بالصيد في مياهها الإقليمية، لترسل كينيا هي الأخرى قواتها. توّصل البلدان عام 2016 إلى خلق لجنة مشتركة لتأكيد الحدود البحرية بينهما، غير أنهما لم يصلا إلى اتفاق نهائي، ولا تزال الجزيرة حالياَ تحت إدارتهما، ما يكرر المناوشات اللفظية بينهما، دون أن يصل الأمر إلى مواجهة عسكرية.