قضية "عملاء" إسرائيل تنفجر مجددا في جنوب لبنان

تثير قضية “جيش لبنان الجنوبي” الذي دعمته إسرائيل خلال احتلالها جنوب لبنان جدلا متجددا وذلك بعد مرور قرابة عقدين من انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان.
 
وفرّ مئات اللبنانيين من بلدة القلعة جنوب لبنان خوفا من تعرضهم للملاحقة أو التوقيف. ومنذ ذلك الوقت، تثير قضيتهم حساسية بالغة في لبنان، إذ يصفهم البعض بـ”المبعدين قسراً”، فيما يعتبرهم آخرون “عملاء” لإسرائيل. وفي بلدة القليعة القريبة من الحدود الإسرائيلية، تطالع المارة لافتة كتب عليها “لا مكان للعملاء بيننا”.. في منطقة يتمتع فيها حزب الله بنفوذ كبير.
 
و“العملاء” وفق توصيفات المقربين من حزب الله هم آلاف الجنوبيين الذين تعاملوا مع إسرائيل خلال احتلالها للجنوب وغادروا قراهم وبلداتهم لدى انسحابها قبل 19 عاماً.
 
ويلتزم أهالي البلدة ذات الغالبية المسيحية إثر سؤالهم عن مصير أقربائهم الصمت في انتظار أن تهدأ عاصفة أثارتها مؤخراً عودة قيادي سابق في “جيش لبنان الجنوبي” -المجموعة العسكرية التي دعمتها إسرائيل خلال احتلالها للجنوب على مدى 22 عاماً- إلى البلاد.
 
وأكد أحد سكان بلدة القليعة أن منازل الفارين مقفلة وأشار إلى أحد المنازل قائلا “هذا واحد من أكثر من مئة منزل أوصدت أبوابها”.
 
وأضاف “عائلات بأكملها غادرت ولم نسمع عنها شيئاً منذ ذاك الحين. جثث قلة منهم (أفراد العائلات) نُقلت بعد وفاتهم لدفنها في البلدة”. ويؤكد أن غالبية العائلات ترفض الكلام خوفا من أن يتحول أفرادها إلى “متهمين بالعمالة”.
 
وفي مايو 2000، انسحبت القوات الإسرائيلية من الجنوب، وفرّ الآلاف من أعضاء “جيش لبنان الجنوبي” وأفراد عائلاتهم إلى إسرائيل خوفاً من الأعمال الانتقامية، خصوصاً من أنصار حزب الله.
 
وتم تأسيس “جيش لبنان الجنوبي” عام 1976 على أيدي عناصر من الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990).
 
ومع التعقيدات التي طرأت على الحرب اللبنانية وتدخل إسرائيل على الأرض واجتياحها لجنوب لبنان مرة أولى عام 1978 ثم اجتياحها للجنوب ومناطق أخرى واسعة في 1982، اتهمت هذه المجموعة بالتعامل مع إسرائيل، وتجنيد الكثيرين من أبناء المنطقة لتنفيذ أوامر الإسرائيليين.
 
وتزامن ذلك مع فترة أقام خلالها زعماء لبنانيون -مسيحيون بالخصوص- علاقات مع إسرائيل التي تعتبر في حالة حرب رسمية مع لبنان منذ إنشائها في 1948.
 
ويقدر عدد الموجودين حالياً في إسرائيل بين 2400 و2700 شخص، بينهم أطفال ترعرعوا وتعلموا هناك، وذلك وفق ما نشرته تقارير لجنة ممثلة للعائلات. ومن بين هؤلاء 1200 مسيحي من بلدة القليعة.
 
وخضع من عاد إلى لبنان في الأشهر أو السنوات التي تلت الانسحاب الإسرائيلي، لمحاكمات قضائية صدرت فيها إجمالاً أحكام بالسجن مخففة. وغادر كثيرون إسرائيل -حسب تقارير مختلفة- باتجاه دول أخرى لاسيما السويد وألمانيا وكندا.
 
وقالت سكنة بزي خلال تجمع احتجاجي على عودة القيادي السابق في “جيش لبنان الجنوبي” عامر فاخوري إلى لبنان فجأة، “هؤلاء ليسوا مبعدين قسراً، هؤلاء خونة هربوا من وطنهم وأهلهم وخرجوا بإرادتهم من أرضهم”.
 
وحصلت التظاهرة منتصف الشهر الحالي في باحة معتقل الخيام، وهو سجن تولى “جيش لبنان الجنوبي” إدارته خلال الاحتلال الإسرائيلي، ونددت منظمات غير حكومية مراراً بحصول عمليات تعذيب وسوء معاملة فيه.
 
وأوقفت السلطات اللبنانية فاخوري تحت ضغط حملة بدأت فور انتشار خبر عودته، وأصدرت في حقه مذكرة توقيف بتهمة التعامل مع إسرائيل وهي تحقق في اتهامات بإعطائه أوامر لتعذيب معتقلين لبنانيين وفلسطينيين في معتقل الخيام.
 
وفي عام 2011، أقرّ البرلمان اللبناني مشروع قانون تقدم به الرئيس الحالي ميشال عون الذي كان نائباً آنذاك نصّ على عودة اللبنانيين الموجودين في إسرائيل. لكن مراسيمه التطبيقية لا تزال قيد الإعداد في وزارة العدل.