باريس تحشد أوروبياً لـ«عزل» تركيا على خلفية الهجوم شرق سوريا

تتخوف السلطات الأمنية الفرنسية من التجاوزات التي يمكن أن تحدث مساء اليوم بمناسبة مباراة كرة القدم بين الفريقين الفرنسي والتركي في «ملعب فرنسا الكبير» القائم في ضاحية سين سان دوني في إطار تصفيات البطولة الأوروبية بسبب التوتر القائم على خلفية العملية العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا.
 
وتجد باريس نفسها عاجزة عن وقف العملية التركية؛ إذ منذ الأربعاء الماضي، سارعت الدبلوماسية الفرنسية إلى طلب اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بالتشارك مع البلدان الأوروبية الأخرى الممثلة في المجلس. لكن هذه المبادرة لم تفضِ حتى إلى إعلان رئاسي أو بيان جماعي بسبب غموض الموقف الأميركي، وخصوصاً الموقف الروسي.
 
وطلبت باريس بعدها اجتماعاً لدول التحالف الذي نشأ في عام 2014 لمحاربة «داعش». لكن حتى اليوم لا موعد للاجتماع المطلوب. وحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أول من أمس، دفعه لتغيير موقفه والطلب من تركيا وضع حد للمغامرة العسكرية التي تهدد بإعادة إحياء «داعش» وتسهيل هروب آلاف المتطرفين الموقوفين في سجون «قوات سوريا الديمقراطية». لكن جهود ماكرون لم تثمر رغم تحذيره من العملية قبل حصولها عند استقباله إلهام أحمد، أحد وجوه «مجلس سوريا الديمقراطية».
 
أول من أمس، كشفت باريس عن قرارها الوقف الفوري لجميع مبيعات الأسلحة إلى تركيا التي يمكن أن تستخدمها في هجومها على شمال شرقي سوريا. وجاء القرار الفرنسي، الذي أعلن عنه في بيان مشترك لوزارتي الخارجية والدفاع، متأخراً زمنياً عن قرارين مماثلين اتخذتهما هولندا ثم ألمانيا.
 
وتسعى باريس ومعها، على وجه الخصوص، بريطانيا وألمانيا، إلى «تفعيل» ما تملكه من أوراق، رغم ضآلتها، من أجل تشكيل جبهة ضاغطة ليس على تركيا فقط؛ وإنما أيضاً وخصوصاً على الإدارة الأميركية «لاحتواء» الهجوم التركي ومنع تمدده، وفق ما أفادت به مصادر رسمية أوروبية تحدثت إليها «الشرق الأوسط». ومن الخطوات التي تستطيع أوروبا اللجوء إليها محاولة فرض عزلة سياسية على أنقرة من خلال تجميد العلاقات الدبلوماسية، واستدعاء السفراء، ووقف التعاون الاقتصادي، وفرض عقوبات تجارية واقتصادية ومالية، والعودة مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي، وإغلاق الباب أمام دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
 
وسبق لوزيرة الدولة للشؤون الأوروبية أميلي دو مونشالون أن أكدت أن فرض العقوبات الاقتصادية مطروح على الطاولة وينتظر أن يتم النظر فيها خلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين اليوم في لوكسمبورغ وأيضاً خلال القمة الأوروبية يومي 18 و19 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وما يهم باريس هو الوصول إلى قرار أوروبي موحد، لأن قرارات تتعلق بفرض عقوبات أو ما شابه يفترض أن تتم بإجماع أوروبي، وإلا فإن كل دولة تتصرف على هواها ووفق مصالحها. كذلك؛ فإن قراراً منفرداً من هذه الدولة أو تلك لن يكون له وزن مؤثر.
 
تكمن الصعوبة في أن الأوروبيين ليسوا كلهم على موقف واحد. وثمة مخاوف من أن يعمد إردوغان إلى تنفيذ التهديدات التي أطلقها في وجه الأوروبيين عندما قال إنه سيفتح الحدود أمام توجه 3.6 مليون لاجئ جلهم من السوريين وهم موجودون على الأراضي التركية ليتدفقوا على أوروبا على غرار ما حصل في عامي 2015 و2016. ورغم اتهام دونالد تاسك، رئيس الاتحاد الأوروبي لإردوغان بممارسة «الابتزاز»، وهو ما كرره جان إيف لو دريان وزير الخارجية الفرنسية، فإن هناك «قلقاً حقيقياً» من مشكلة هجرة جديدة قد تكون أكبر من الموجة السابقة وتتسبب فيها سياسة الرئيس التركي رداً على الإجراءات الأوروبية التي يصفها بأنها «معادية».
 
ثمة مصدر قلق آخر لباريس وللعواصم الأوروبية، عنوانه، منذ البداية، مصير المتطرفين. وازدادت حدة القلق بعد تمكن مئات عدة من عائلاتهم من الهروب من أحد المعتقلات. وقالت سيبين نديا، الناطقة باسم الحكومة الفرنسية أمس، إن فرنسا «قلقة» بعد هرب نحو 800 من عائلات وأقارب «داعش»، وإن هذا هو السبب الذي من أجله تطلب باريس من أنقرة أن «تضع حداً لعمليتها بأسرع وقت».