انتفاضة في كربلاء.. وقلق في طهران

منذ أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، تغير وجه العراق، حيث تعرضت العديد من المدن في البلاد لاحتجاجات واسعة النطاق. السبب الرئيسي لكل هذه الاحتجاجات هو الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية.
 
بعد هذه الاحتجاجات، من المحتمل أن يستقيل رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، أو ربما یتم إجراء انتخابات برلمانية مبكرة لتشكيل برلمان جديد بترکیبة جديدة.
 
وبالتزامن مع الاحتجاجات في العراق، حدث وضع مماثل في لبنان. وبالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية، فإن الحفاظ على الوضع القائم مع رئيسي الوزراء الحاليين في البلدين: عادل عبد المهدي في العراق، وسعد الحريري في لبنان، هو الخيار الأفضل، حيث لا توجد أي رؤیة مستقبلیة لحلفائهم إذا تم استبدال الاثنين.
 
لكن الوضع في العراق، بالنسبة لطهران، أكثر إثارة للقلق من لبنان؛ فالعراق جار لإيران، وهناك قدر كبير من السياحة الدينية بين البلدين. ويعتبر تجمع الأربعين، الذي تنفق علیه جمهورية إيران الإسلامية مبلغًا كبيرًا من المال سنويًا، دليلاً على الأهمية التي يشکلها العراق لإيران.
 
وفي هذه الأثناء، تعد مدينة كربلاء أهم من أي مدينة عراقية أخرى، حيث إن مسیرة الأربعین السنویة تنظم باتجاه هذه المدینة لتکون علامة علی أهميتها في السياسة الخارجية للهیمنة الشیعیة للجمهورية الإسلامية.
 
غير أنه في هذا العام، وبعد فترة قصيرة من نهاية مراسم الأربعين، تغير وجه كربلاء فجأة، فقد شهدت المدينة، المعروفة بأنها معقل الوجود الإيراني في العراق، شهدت تغييرات أدت، وفقًا لاعتراف القنصل الإيراني العام في كربلاء، إلی رفع علم العراق في مبنى القنصلية العامة الإيرانية، من قبل المتظاهرین العراقیین. وفي عام 2018، تعرضت القنصلية الإيرانية في البصرة، وهي مدينة شيعية عراقية أخرى، لهجوم مماثل.
 
في الاحتجاجات الأخيرة في العراق، قُتل نحو 250 شخصًا. وفي كربلاء وحدها، قُتل 13 شخصًا وأصیب أکثر من 850 آخرین.
 
هذا العدد من الإصابات دليل على شدة الاحتجاجات في هذه المدينة الدينية. لكن النقطة المحيرة أن مرشد إيران نسب هذه الاحتجاجات إلى "الأعداء"، رغم أن الزعماء والسياسيين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء، اعترفوا بأوجه القصور في إدارة البلاد، ويناقشون الآن استبدال رئيس الوزراء، أو إجراء انتخابات برلمانية.
 
تأتي أهمية موقف آية الله علي خامنئي من زاويتين؛ أولاً: أنه سمح لنفسه بالتعليق على الشؤون الداخلية لبلد آخر.
 
وثانيًا: أنه نسب الاحتجاجات العراقیة إلی "مؤامرات الأعداء"، تمامًا كما فعل مع الاحتجاجات الداخلية في إيران.
 
بمعنى آخر، نحن نعلم أنه في حالة حدوث احتجاجات مماثلة في إيران وتعليق مسؤولين من دول أخرى، فإن رد طهران وقتها سيكونُ أن هذه التعليقات تعد تدخلاً في شؤون إيران الداخلية. لكن المرشد يعطي لنفسه الحق في التعليق على الشؤون الداخلية للعراق.
 
النقطة الثانية، أن تصریحات مرشد جمهورية إيران الإسلامية لا تستند إلى تقييم موضوعي لحالة هذا البلد النفطي. فلا يوجد ذكر لسوء الإدارة والفساد في العراق. إذ إن العراق هو واحد من أفقر دول العالم، على الرغم من عائداته النفطية الهائلة.
 
وحتى مدينة كربلاء، فرغم أنها من مناطق الجذب السياحي الدينية، إلا أنها غیر مستثناة من هذا الوضع.
 
ووفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، فقد احتل العراق، في عام 2018، المرتبة 168، بین 175 بلدًا، من حيث الفساد.
 
وفي مؤشر آخر، يسجل عدد الشباب في العراق نسبة عالية، حيث وُلد 40 في المائة من سكان البلاد، البالغ عددهم 37 ملیون نسمة، بعد الغزو العسكري الأميركي لصدام حسين عام 2003، وهو ما يعني أن معدل المواليد في العراق مرتفع، ومع ذلك فإن قدرة البلد على إدارة احتياجات الجيل الشاب متدنیة.
 
من ناحية أخرى، فإن الوضع المريع للشباب العراقي في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين واضح أيضًا، فوفقًا لتقرير الأمم المتحدة الخاص بالمساواة بين الجنسين لعام 2018، احتل العراق المرتبة 123 من أصل 189 دولة يشملها المؤشر. وقد أدى عدم المساواة بين الجنسين إلى زواج 24 في المائة من النساء العراقيات دون سن 18 عامًا، مما يشير إلى ارتفاع معدل الزواج القسري للأطفال.
 
وجاء في تقرير آخر صادر عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة أن واحدًا من بين كل أربعة أطفال يعاني الفقر، وأن 4 ملايين طفل عراقي يحتاجون إلى مساعدة مباشرة بسبب الحرب الأهلية.
 
هذه الإحصاءات ليست سوى زاوية صغيرة من تدهور الحالة الاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء العراق. وليست مدينتا كربلاء والنجف، اللتان تعتبران وجهة للزوار الإيرانيين، استثناءً من ذلك.
 
بناء على التوضيح السابق، فإن تجاهل حالة الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية في العراق، وإرجاع الفوضى لعدو خارجي، ليس سوى وضع عنوان خاطئ. بالإضافة إلى أن هذا العنوان، في الواقع، لا يعالج داءً في هذا البلد الفقير.
 
حقيقة العراق مريرة ومؤلمة، لدرجة أن مقتدى الصدر، وهادي العامري، الزعيمان الشيعيان، طالبا باستقالة عادل عبد المهدي. ولم يشر أي من هذين السياسيين العراقيين إلى تورط عملاء أجانب في الاضطرابات العراقية الأخيرة.
 
لكن في المقابل، أظهر حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة "كيهان" اليومية وممثل ولي الفقيه في مؤسسة "کيهان"، أظهر حفرة للمتظاهرين کانت الجمهورية الإسلامية قد سقطت فيها قبل 40 عامًا، وقد نصحهم بإنهاء "وجود السفارة الأميركية في بغداد، فهي وکر للتجسس، ومركز للتآمر ضد الشعب العراقي المظلوم".
 
تشير النصيحة ذاتها التي قدمها ممثل المرشد خامنئي إلى أي مدى تشعر طهران بالقلق إزاء الوضع في العراق. كما يكشف الحل الذي تم اقتراحه لمواجهة المشاكل مدى الوهم والبعد عن الواقع، إذ يتجاهلون أسباب الاحتجاجات وينسبونها إلى عوامل خارجية فقط.
 
*نقلاً عن "انترناشيونال ايران"