"الحرب العالمية" كذبة إيرانية جديدة للتحايل على المحتجين

يواصل النظام الإيراني، وهو يصارع مؤخرا احتجاجات تطالب بإسقاطه وتعد هي الأعنف منذ “الثورة الخضراء” عام 2009، مساعيه لإخماد بوادر الثورة عبر الإمعان في التسويق لخطاب يقوم على المظلومية وتحميل المسؤولية لمن يصفهم بالأعداء.
 
وتراهن قيادة النظام على تحويل الأزمة الداخلية إلى معركة إقليمية بترويجها مجدّدا لشعارات سياسية تخالج أذهان وعواطف الإيرانيين، وخاصة منهم المحتجين، على شاكلة الشعارين المرفوعين منذ سنوات “الموت لأميركا” أو “أميركا الشيطان الأكبر”.
 
ووصفت ميليشيا الباسيج الإيرانية في هذا الصدد الاحتجاجات التي تشهدها مدن إيرانية بـ”حرب عالمية” ضد طهران، مؤكدة أنه تم إحباطها، وحمّلت مسؤولية ما حدث لواشنطن والرياض وإسرائيل.
 
وقال اللواء سالار أبنوش، نائب رئيس ميليشيا الباسيج، “لقد نشبت حرب عالمية ضد النظام والثورة ولحسن الحظ مات الطفل لحظة ولادته”.
 
وحذر إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس الإيراني، دولا ستواجه عواقب وخيمة إذا ثبت تدخلها لإذكاء الاضطرابات في بلاده.
 
وألقت إيران من قبل بالمسؤولية على “خارجين عن القانون” لهم صلات بمعارضين في الخارج وأعداء أجانب، عادة ما تقصد بهم الولايات المتحدة والسعودية، في تأجيج اضطرابات تلت رفع أسعار البنزين وأدت إلى قيام الحرس الثوري باعتقال نحو ألف متظاهر.
 
وكان علي خامنئي قد تحدث في وقت سابق عن نصر ضد الأعداء، متّهما قوى أجنبية بإذكاء الاضطرابات وخص الولايات المتحدة “كقائدة للأشرار”. وقال إن الولايات المتحدة “اعترفت بذلك، وللأسف سارت فرنسا وألمانيا بركابها”.وفي المقابل نقل التلفزيون الإيراني عن الشرطة قولها إنها اعتقلت 180 من زعماء الاضطرابات في أنحاء البلاد.
 
ويرى مراقبون أن هذا الإعلان الأخير يؤكّد أنه باتت لدى شرائح واسعة من الشعب الإيراني نية قلب النظام الذي تسبب لهذه الشرائح في وجود قرابة 80 مليون إيراني تعترضه صعوبات كبرى في تلبية مستلزماته اليومية.
 
من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه يشعر بالقلق إزاء تقارير تفيد بأن الذخيرة الحية التي تستخدمها قوات الأمن لقمع الاضطرابات تسببت في “عدد كبير من القتلى”.
 
وأكد المسؤولون مقتل خمسة أشخاص، بينما قالت منظمة العفو الدولية إنه يعتقد أن أكثر من 100 متظاهر قتلوا وأن عدد القتلى الحقيقي قد يصل إلى 200.
 
بدوره، قال الحرس الثوري إنه خلال الاضطرابات “وقعت حوادث بسبب ارتفاع أسعار البنزين في أقل من 100 مدينة”. وأكد أن “الحوادث انتهت في أقل من 24 ساعة وفي بعض المدن خلال 72 ساعة” نتيجة “وعي القوات المسلحة واتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب”.
 
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران ثم شددتها منذ انسحابها من الاتفاق النووي في إطار حملة من “الضغوط القصوى” على طهران.
 
ومثّل الملف الإيراني في هذا الصدد أبرز محاور اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في العاصمة واشنطن.
 
وقال بومبيو، عبر حسابه في موقع تويتر، “التقيت وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، وناقشنا سويا الأنشطة الإيرانية التي تزعزع استقرار المنطقة وآثارها السلبية في المنطقة”.
 
ويبدو أن أعمال العنف التي تشهدها إيران حاليا هي الأسوأ، على الأقل منذ أخمدت إيران “الثورة الخضراء” عام 2009، عندما قُتل العشرات من المحتجين على مدى عدة أشهر.
 
وقال مركز حقوق الإنسان في إيران، على موقعه الإلكتروني، إن إحصاء اعتمد على أرقام رسمية وتقارير ذات مصداقية يشير إلى أن “2755 شخصا على الأقل جرى إلقاء القبض عليهم لكن الحد الأدنى الفعلي يقترب من 4000 على الأرجح”.
 
وأكد مسؤولون إيرانيون أن القوات الإيرانية وأفرادا من الحرس الثوري ساعدوا الشرطة على إخماد اضطرابات عنيفة في إقليم كرمانشاه قبل أيام، واتهموا “عملاء أميركيين” بالاندساس وسط المحتجين المسلحين.
 
وذكرت منظمة العفو الدولية أن 30 شخصا على الأقل قتلوا في إقليم كرمانشاه مما يجعله الأكثر تضررا جراء الاحتجاجات، وأن عدد القتلى يتراوح بين 106 و115 شخصا. وترفض إيران تلك الأرقام وتصفها بأنها “مجرد تكهنات”.
 
وقال بهمن ريحاني، قائد الحرس الثوري في كرمانشاه، إن “مثيري الشغب يتبعون الجماعات المعادية للثورة وأجهزة المخابرات الأميركية”.
 
ولم يذكر ريحاني تلك الجماعات بالاسم. وتعمل جماعات كردية إيرانية منذ مدة طويلة في المنطقة المحاذية لحدود العراق من الإقليم.
 
وقال البريجادير جنرال رمضان شريف، المتحدث باسم الحرس الثوري، إن عناصر مؤيدة لحكم الشاه الراحل تسعى لإعادة أسرة بهلوي، التي أطاحت بها الثورة الإسلامية في 1979، إلى السلطة هي التي أثارت الاحتجاجات إضافة إلى جماعة مجاهدي خلق المسلحة المعارضة.
 
وفي المقابل أكدت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أن “الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب الإيراني في كفاحه ضد نظام قمعي يكمم الأفواه بينما يعتقل ويقتل المحتجين”، معتبرةً أنه “يجب ألا تساعد أي دولة أو شركة النظام الإيراني في فرض الرقابة أو انتهاكات حقوق الإنسان”.
 
والخميس، اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران بقطع الإنترنت للتستر على “الموت والمأساة”.
 
وقال “لقد أصبحت إيران غير مستقرة إلى درجة أن النظام قد أغلق نظام الإنترنت بشكل كامل حتى لا يتمكن الشعب الإيراني العظيم من الحديث عن العنف الهائل الذي يحدث داخل البلاد”.
 
كما حض الاتحاد الأوروبي إيران على إظهار “أقصى درجات ضبط النفس” في التعامل مع الاحتجاجات. وردت طهران متهمة الاتحاد الأوروبي بالتدخل وطلبت منه “توضيح سبب عدم وفائه بوعوده” للمساعدة في تجاوز العقوبات الأميركية التي دفعت الاقتصاد الإيراني إلى الركود.
 
وفي السياق ذاته نقلت صحيفة “الصنداي تيلغراف” عن أمين سبتي، الباحث في شؤون الأمن الإلكتروني، قوله إنه “لم يحدث حجب للخدمة بهذا الحجم وعلى هذا النطاق الواسع ولهذه الفترة الطويلة في دولة كبيرة مثل إيران في السابق”.
 
ويضيف أن إيران تحاول إقناع المواطنين باستخدام التطبيقات المحلية لكنهم يصرون على استخدام التطبيقات الأجنبية مثل “واتساب” بل ويستخدمون تطبيق “ويز” لتحديد مواقع التجمعات والمظاهرات.
 
ويشير إلى أن “الحكومة الإيرانية تهدف إلى تقييد حرية التجمع والحركة لدى المتظاهرين كما تستهدف تقييد حرية نقل المعلومات والروايات على المستوى المحلي باستثناء تلك الصادرة عن جهات رسمية”.
 
وما زالت الإنترنت محجوبة بشكل عام في إيران، رغم إعلان مسؤولين ووكالات أنباء أن انقطاع الشبكة بدأ يتراجع تدريجيا.
 
وقال وزير الاتصالات إن الاتصال قد عاد في بعض المحافظات، لكنه لم يحدد موعدا للتغطية الكاملة.
 
وأوضح محمد جواد آذري جهرومي “ستتم إعادة ربط أماكن أخرى” بناءً على أوامر من المجلس الأعلى للأمن القومي، مضيفا أن الوزارة لا تزال تجري تقييما للأضرار.
 
وأشارت الوكالة إلى عودة الإنترنت إلى الهاتف الثابت بشكل جزئي في عدد من المحافظات وفي بعض الجامعات في طهران اعتبارا من الخميس، في حين أن بيانات الهاتف المحمول بإمكانها الوصول إلى المواقع المحلية فقط.
 
وفرضت الولايات المتحدة الجمعة عقوبات على جهرومي لدوره في فرض “قيود واسعة على شبكة الإنترنت في إيران”.
 
وأظهر موقع “نتبلوكس”، الذي يراقب عمليات إغلاق الشبكات، أن نسبة التشغيل الفعلي لشبكة الإنترنت في إيران بلغت 14 في المئة فقط منتصف الجمعة.
 
وقال أبنوش إن قطع الإنترنت ساعد على “تعطيل الخطط المعقدة” من قبل أعداء إيران.
 
من جهته، دعا المتحدث باسم مجلس الخبراء السلطات إلى إبقاء “الشبكات الأجنبية” محجوبة بعد إعادة الاتصال، قائلاً إنهم “يعلّمون الناس الشغب وارتكاب جرائم”.
 
وقال آية الله أحمد خاتمي في خطبة صلاة الجمعة التي نقلها التلفزيون الحكومي “إذا كنتم ستعيدون العمل بها، أطلب منكم عدم فتحها بشكل كامل”. والمجلس منتخب من رجال دين تم اختيارهم بدقة ويشرف على عمل المرشد الأعلى ولديه سلطة عزله.