قاسم سليماني في بغداد لتعيين رئيس وزراء عراقي

ذكرت مصادر سياسية عراقية لوكالة فرانس برس، أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، جاء إلى بغداد منذ ثلاثة أيام لاحتواء حالة التيه التي تعيشها الطبقة السياسية الحاكمة، ومنع سقوط النظام تحت ضغط التظاهرات التي دخلت شهرها الثالث وما زالت تحافظ على زخم قوي.
 
وأكدت المصادر أن سليماني أسرع بالقدوم إلى بغداد بعد الاستقالة المفاجئة التي تقدم بها رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي من منصبه، إذ لم تكن إيران مستعدة لتقديم هذا النوع من التنازلات للشارع العراقي، برغم استمرار الاحتجاجات.
 
وتتكون الخطة الإيرانية في التصدي للتظاهرات العراقية بهدف حماية النظام السياسي الموالي لطهران من شقين، الأول يتعلق بممارسة القمع المميت والثاني يتعلق باعتماد النفس الطويل، من دون الدخول في نفق الاستقالات الحكومية الذي لا ينتهي إلا برحيل الطبقة السياسية برمتها.
 
وكرست طهران فرضية “صعوبة إيجاد البديل” في المشهد السياسي العراقي، للإبقاء على عبدالمهدي الذي منحها ما تحلم به من إمكانيات لممارسة هوايتها المتمثلة في مشاكسة الأميركيين.
 
ولكن ضغط الشارع والمخاوف التي أبداها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني من أن يؤدي القمع الحكومي للتظاهرات إلى “زوال الحكم الشيعي في العراق”، دفعت عبدالمهدي إلى تقديم استقالته من دون مشاورة الإيرانيين، وفقا لمصادر عديدة.
 
ولوّح عبدالمهدي مرارا بأنه “يحمل استقالته في جيبه”، في إشارة إلى زهده بمنصب رئيس الوزراء، لكنه تعنت في مواجهة المحتجين الذين طالبوا بالرحيل وأصدر أوامر أدت إلى قتل وجرح واعتقال الآلاف منهم.
 
وتقول المصادر إن استقالة عبدالمهدي أشاعت الاضطراب في الأوساط السياسية العراقية، التي خشيت أن تكون مرحلة التداعي بدأت فعلا، ما استوجب حضور سليماني سريعا لتدارك الأوضاع.
 
ولم يكن الحديث عن إمكانية استقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من منصبه بعد استقالة عبدالمهدي، بالون اختبار فقط، وإنما كان بمثابة قرار وشيك.
 
وتحدث مراقبون في بغداد عن “موسم القفز من المركب الغريق” في إشارة إلى حملة استقالات متوقعة بعد استقالة الحكومة، إذ سيحاول كثيرون النجاة من غضب الشارع الآن وضمان مستقبلهم السياسي في حال انهار النظام القائم ودخلت البلاد مرحلة جديدة.
 
وتؤكد المصادر أن سليماني تحدث مع مختلف الأطراف العراقية بقوة داعيا إياها إلى التكاتف في وجه الشارع، والتعهّد بعدم تقديم تنازلات إضافية لحركة الاحتجاج.
 
وقال سياسيون عراقيون حضروا جلسات سليماني مع مسؤولين في بغداد إن الجنرال الإيراني افتخر بقدرة الحرس الثوري على قمع الاحتجاجات الإيرانية في بلاده خلال أيام، فيما يفشل القادة العراقيون في تحقيق ذلك بعد شهرين من المحاولات.
 
ويعتقد سليماني أن منح الاحتجاجات أي مكاسب سيشد من عضدها ويحدّ من فرص القضاء عليها، لذلك يفكر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري بترشيح شخصية معروفة الولاء لطهران لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ردا على استقالة عبدالمهدي، التي جاءت بعدما رفع المتظاهرون شعار استعادة العراق من إيران.
 
ويريد سليماني أن يقول للمحتجين العراقيين إن استقالة عبدالمهدي ليست قرارا إيرانيا ولا دليل ضعف من طهران، والدليل أنه ما زال يمسك بجميع خيوط السلطة في بغداد.
 
وقالت المصادر إن سليماني شخصيا هو المسؤول عن تسريب اسم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بوصفه مرشحا محتملا لرئاسة الحكومة العراقية الجديدة، في إشارة إلى استعداد إيران للمضي بعيدا في مماطلة حركة الاحتجاج قدر ما تتطلبه حماية مصالحها.
 
وليس عبثا أن جميع المرشحين الذين تتداول الأوساط السياسية أسماءهم هم حلفاء لطهران، إذ تعرف الطبقة السياسية في بغداد بأنها عاجزة عن التحرك من دون توجيهات إيرانية واضحة.
 
وما لم تقرر إيران أن تناور في مواجهة حركة الاحتجاج، ربما من خلال الدفع بشخصية من كواليسها إلى الواجهة، وتسوقها على أنها مستقلة، لتشكيل الحكومة الجديدة، فإن حالة الاستعصاء السياسي ستواصل الهيمنة على المشهد العراقي.
 
ولا تحتاج الفرضية القائلة بأن إيران ترغب في أن تمارس الحكومة العراقية أقصى درجات العنف في مواجهة المتظاهرين إلى برهان غير أن تطبيقها سيكون صعبا بسبب اختلاف الظروف بين البلدين، فاستقالة عبدالمهدي تكشف عن أن الحكومة لم تكن قادرة على مواجهة ما يترتب على عمليات القتل الممنهج التي مورست بناء على أوامر منها من نتائج.
 
وقال مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” إنه يمكن النظر إلى زيارة سليماني باعتبارها محاولة لرفع المعنويات ومنع أي انهيار متوقع للنظام في مواجهة اتساع دائرة الاحتجاجات وتطورها النوعي، مشيرا إلى أن سليماني يعمل على دفع السياسيين العراقيين كلهم إلى عدم تقديم تنازلات من شأنها أن توحي للمحتجين بأنهم قد حققوا أي نوع من الانتصار. لكن ذلك لم يكن ممكنا من خلال الإبقاء على عبدالمهدي في منصبه.
 
علما بأن استقالة رئيس الوزراء جاءت من باب الاضطرار ورفع الحرج عن المرجعية الدينية التي لم تطالب بها صراحة.
 
وأضاف المراقب أن كل ذلك من أجل الحيلولة دون الموافقة على مطلب المحتجين بإجراء انتخابات مبكرة وهو ما يعني الإبقاء على مجلس النواب الحالي إلى حين تعيين رئيس وزراء جديد يكون محل ثقة من جهة موالاته لإيران.
 
واستبعد أن يغامر أحد بالقبول بمنصب رئيس الوزراء بدلا من عبدالمهدي في هذه الأوضاع المعقدة لأنه لن يضمن عدم وقوع مجازر جديدة في ظل دخول الميليشيات على خط المواجهة مع المحتجين وهو ما يحدث الآن في النجف حيث تحاصر حشود المتظاهرين ضريح محمد باقر الحكيم الذي تتحصن فيه ميليشيا سرايا عاشوراء المتهمة بقتل عدد كبير من المتظاهرين.
 
وخلص المراقب إلى أن سليماني لن يفعل شيئا سوى الإبقاء على الأزمة من غير حلول من خلال تجميد موقف النظام السياسي والإبقاء عليه بعيدا عن الوقوع في أخطاء قد يفكر بعض عناصره بارتكابها نتيجة للشعور بانغلاق الأفق.