عام على "ستوكهولم".. وغريفيث ما زال يسوِّق الوهم

بعد مرور عام على اتفاق ستوكهولم، الذي دامت مباحثاته ثمانية أيام، تمخض عنها ثلاث نقاط لا أكثر: "انسحاب الحوثيين من موانئ محافظة الحديدة "الحديدة - راس عيسى - الصليف"- تبادل الأسرى - فك الحصار عن تعز"، يتساءل مراقبون: ما الذي تم تنفيذه؟!

لم يحدث أي تقدم إيجابي طيلة (12) شهراً، في وقتٍ كان لا يفصل بين الفاس ورأس الأفعى سوى مسافة إنزال الأول عليها، وإنقاذ البلاد والعباد من سمومها، لولا تسارع الأمم المتحدة في ممارسة ضغوطها تحت مبررات إنسانية.

تحول الاتفاق إلى حبر على ورق، نتيجة الفشل المبكر، بعد أن كان مقرراً بموجب بنوده سحب الحوثي لمليشياته من موانئ ومدينة الحديدة خلال مدة 14 يوماً من التوقيع، متضمناً ذلك إزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، هذا بالإضافة إلى الاتفاق على سريان هدنة أممية لوقف إطلاق النار.

مارتن غريفيث، المبعوث الأممي للأمين العام للأمم المتحدة، ظهر ثاني أيام التوقيع على اتفاقية ستوكهولم، أمام مجلس الأمن الدولي، متحدثاً بأن هناك بارقة أمل بالحل، لم يشرح، ولو لاحقاً، أسباب تعسر ولادة تلك البارقة، كما أنه لم يقر بإجهاضها مبكراً بخروقات المليشيا المستمرة.

يقول خبراء اقتصاديون لوكالة خبر، إن المبررات الإنسانية التي ضغطت بواسطتها الأمم المتحدة، لإيقاف التقدم في معركة الحديدة، لم تكن سوى منقذ للمليشيا، والتقاط أنفاسها، بعد أن كانت أصيبت بمقتل، وبتحرير ميناء ومديدة الحديدة كاملة من يدها، تنكمش مساحة سيطرتها، وتقل أمامها فرص استمرار تمردها، وهو ما يعني الإحجام من فرص الابتزاز الدولي.

اتفاق إنساني

صحيفة "الشرق الأوسط"، أجرت حواراً مع مارتن غريفيث، في أكتوبر الماضي، ظهر مستاءً من موجة الانتقادات التي جاءت بعد مضي قرابة عام من توقيع الاتفاقية المزمَّنة، وقالها صريحة، "يجب أن نتذكر أن اتفاق استوكهولم كان اتفاقاً إنسانياً لسد ثغرة قائمة، وليس شرطاً مسبقاً لانطلاق العملية السياسية. ويتضمن الاتفاق إجراءات محددة لبناء الثقة ترمي إلى تعزيز عملية السلام، لا تعطيلها".

أطباء ومتخصصون، علقوا باستغراب، عن أي وضع إنساني يتحدث شخص بحجم مبعوث أممي، في ظل ارتفاع كبير في أعدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية، ونسبة المصابين بأمراض ناتجة عن أوبئة الكوليرا، وحمى الضنك، وفيروسات أخرى قاتلة لم يتم التمكن من تشخيصها حتى اللحظة، وهي ما فتكت بمحافظة تعز التي تمثّل أحد ثلاثة بنود لاتفاقية ستوكهولم؟!

الصمت الدولي، شريك أساس بجريمة ذبح اليمن من الوريد إلى الوريد، جسَّد ذلك حديث "غريفيث" في ذات الحوار مع صحيفة "الشرق الاوسط" حين تحدث "شهدنا في الفترة الأخيرة تراجعاً كبيراً في أعمال العنف بالشمال، وإطلاق سراح عدد من السجناء والمحتجزين، والسماح للسفن المحملة بالنفط الذي تحتاج إليه البلاد بشدة بالدخول إلى الحديدة".

مذابح برعاية أممية

مثير للغرابة، والشفقة في آن، غض الطرف الدولي أمام مئات الخروقات التي قامت بها مليشيا الحوثي في محافظة الحديدة التي تمثَّل النقطة المفصلية بالاتفاقية، بينما ذهب حديث "غريفيث" إلى شمال البلاد، وهو الحديث الذي يشرعن تلك الخروقات الحوثية ويمنحها ضوءاً أخضر.. هكذا يعلق حقوقيون، مضيفين "أين الجانب الإنساني الدولي من مذابح وتشريد أبناء حجور بمحافظة حجة- العود ودمت وقعطبة بمحافظة الضالع- أبناء الجوف - أبناء تعز - أبناء الحديدة، وغيرها من المحافظات التي تشهد مواجهات ملتهبة حتى اللحظة".

ووفق إحصائية أولية، هناك أكثر من 65,000 شخص يقطنون بعض المناطق التي تشهد مواجهات في الضالع جنوب البلاد، تركوا ديارهم خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول 2019. وهذا لا يشمل موجة النازحين الجديدة التي حصلت بعد تجدد المواجهات في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهي لا تقل عن سابقتها.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، أكدت في تغريدة لها على حسابها الرسمي في "تويتر"، أن "تجدد الاشتباكات في مدينة الضالع، يهدد بقطع الطريق الرئيسية لنقل البضائع باعتبارها منفذاً رئيسياً لدخول المساعدات بين صنعاء وعدن"، فيما الاشتباكات ازدادت من يوم إلى آخر وما زالت حتى اللحظة، وهو ما يعني استمرار قطع طريق "صنعاء - عدن" وتفاقم الوضع الإنساني على خلفيته.

تعز.. الموت اليومي

وعودة إلى محافظة تعز، اعترفت إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة والسكان الخاضعة لسيطرة المليشيا"، أن عدد الوفيات بسبب حمى الضنك بلغ 62 حالة، مقابل نحو 23 ألف إصابة بالمرض، فيما زاد عدد الإصابات المؤكدة بالملاريا عن 16 ألفاً، فضلاً عن عشرات آلاف الاشتباه بالإصابة منذ بداية العام الجاري.

الأمم المتحدة، صاحبة ضغوط إيقاف معركة تحرير الحديدة، هي الأخرى تعرِّي نفسها، وتقدم أحد أدلة إدانتها في تقرير لها أكدت "أن أكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن باتت خارج الخدمة جراء الحرب المتصاعدة منذ مارس/ آذار 2015، ووفقاً لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2019، فإن 19.7 مليون شخص في حاجة إلى رعاية صحية في أنحاء البلاد، وتصل الكلفة الإجمالية إلى 627 مليون دولار أميركي". وهو رقم في تصاعد مستمر، ما يؤكد أن الحلول والمساعي الإنسانية سلبية بامتياز.

الحديدة.. الذبيحة الأممية

خلال 24 ساعة، خرقت مليشيا الحوثي اتفاق وقف إطلاق النار 31 مرة - أي في يوم واحد فقط-، امتد إلى كل من الدريهمي، والجاح في بيت الفقيه، وكذلك التحيتا وحيس. شمل الخرق استخدام جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة وصواريخ الكاتيوشا، حسب تأكيدات التحالف العربي.

مصادر رسمية، أكدت أن (2517) خرقاً تم رصدها لميليشيا الحوثي في محافظة الحديدة منذ منذ توقيع اتفاق ستوكهولم، في 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي حتى أبريل الماضي فقط.

وبحسب تقرير حديث لمنظمة انقذوا الطفولة فإن هناك 33 طفلاً بين قتيل وجريح كل شهر في الحديدة في الفترة بين يناير وأكتوبر 2019م.

وتشير مصادر حقوقية، إلى أن عدد القتلى والجرحى من المدنيين يزيد عن 800 قتيل وجريح.

الحديدة، ذبيحة الأمم المتحدة، لم تقف خروقات الحوثي فيها عند حد استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وزراعة مئات آلاف العبوات المتفجرة والألغام، بل تجاوزت ذلك بكثير، حيث صارت تستخدم الصواريخ، والطائرات بدون طيار المفخخة، واستهدافها المستشفيات الميدانية وغيرها، في الوقت الذي يتردد فيه "غريفيث" بين صنعاء ومعظم البلدان العربية والأوروبية بيعاً لوهم اسمه "اتفاق ستوكهولم"، وهو الاتفاق الذي حكمت عليه المليشيا بالموت مبكراً.

مواطنو الساحل الغربي، أكثر اليمنيين دفعاً لثمن هذا الاتفاق، نفد صبرهم، وخرجوا مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عن صمتهم بتفويض القوات المشتركة استكمال تحرير محافظة الحديدة، وهم بذلك يكسبون "المشتركة" شرعية التنفيذ، فهم أصحاب الارض التي تسفك المليشيا عليها دماءمهم وتستبيح آدميتهم، وهو ما يتوجب على المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن تسمعه إن كان للإنسان في نظرها حق أدنى إنسانية.

ثالث بنود الاتفاق وآخرها، الخاص بتبادل الأسرى البالغ عددهم 16 ألف أسير من الطرفين، هو أيضا لم يحرز أي تقدم، بل على العكس تزايد الرقم نتيجة فتح المليشيا جبهات جديدة في أكثر من منطقة واستمرارها بمشروعها التدميري المسلح حتى اللحظة.

مراقبون أكدوا لوكالة خبر، أن فرص السلام مع دعاة الحرب والدمار قليلة جداً، وما أخذ بالقوة لا يمكن أن يستعاد إلا بالقوة، بدلالات رضوخ المليشيا حين أحكمت الخناق عليها القوات المشتركة أواخر العام 2018م، قبل أن تقفز الأمم المتحدة لتسحبها من بين كماشة الهلاك، منحتها فرصة كبيرة لالتقاط أنفاسها.