قطر متورطة في اتصالات غير مباشرة مع الجماعات المتشددة

وصل إلى العاصمة القطرية الدوحة الشهر الماضي أحد المسؤولين الإعلاميين الأميركيين برفقة عميل متقاعد لدى مكتب (FBI) معروف عنه باتصالاته المكثفة والعميقة مع الحكومة القطرية.

جاء الرجلين للاجتماع مع مدير جهاز الاستخبارات القطريةغانم خليفة الكبيسيللوقوف على مكان وجود الصحافي الأميركي بيتر كيرتس الذي أعلن عن اختفائه في سوريا منذ عامين.بعدانتظار الرجلين لعدة ساعات في فندق "سانت ريجيس" في الدوحة ظهر مدير الاستخبارات القطرية الكبيسي برفقة حاشية صغيرة من رجاله. وكانت لديه بعض الأخبار الجيدة حيث قال السيد غانم الكبيسي لزواره إننا نحاول العثور عليه.

وبعد أسابيع عثر عليه القطريون بالفعل ففي يوم الأحد جرى تسليم الصحافي بيتر كيرتس إلى مسؤولو منظمة الأمم المتحدة في الجزء الخاضع للسيطرة السورية من مرتفعات الجولان على مقربة من إسرائيل وقد أصدرت والدته بيانا قالت فيه إنها شديدة الامتنان للمساعدة القطرية في العثور على ولدها.

ورغم إشارة المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي أوباما إلى أنه تم الإفراج عن الصحافي كيرتس عقب صدور طلب مباشر من عائلته للحصول على المساعدة القطرية فإن الواقع يقول إن قطر كانت تعمل على تلك القضية لعدة شهور بناء على طلب من إدارة الرئيس أوباما.

وقد أثارت قطر علاقاتها مع الجماعات الإسلامية المتشددة المزيد من الشكوك لدى الإدارة الأميركية أصبحت الشريك الأميركي السري في الاتصالات غير المباشرة مع تلك الجماعات ومن بينها حركة حماس التي هي في حالة حرب مع إسرائيل في قطاع غزةوكذلك جبهة النصرة وهي الجماعة التي كانت تحتجز الصحافي كيرتس والتي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية أجنبية وذراعا لتنظيم القاعدة.

وبعيدا عن منطقة الشرق الأوسط فقد سهلت دولة قطر محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في أفغانستان التي انتهت في العام الماضي دون تحقيق نجاح يذكر.

وخلال هذا الربيع فقد ساعدت قطر في ترتيب تبادل الرقيب الأميركي بيرغدال وهو العسكري الأميركي الوحيد الذي كان محتجزا لدى الميليشيات الأفغانيةمقابل خمسة معتقلين أفغان كانت تحتجزهم الولايات المتحدة في سجن عسكري في خليج غوانتانامو ويقطن الأفغان الخمسة حاليا في دولة قطر.

ويقول المسؤولون القطريون إن إسهامات بلادهم هي ثمرة طبيعية لاعتقادهم في المحادثات الحيادية وأشار بيان صادر عن وزارة الخارجية في الدوحة إلى تلك الجهود الحثيثية لتأمين الإفراج عن الصحافي كيرتس وذلكإيمانا من دولة قطر بالمبادئ الإنسانية وحرصا منها على حياة الأفراد.

ولا يعتقد المسؤولون في إدارة الرئيس أوباما كثيرا بما يقال وبعض منهم يتشارك مع جيران قطر من دول الخليج العربي في القلق من مسعاها لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية بدرجة تفوق حجمها الطبيعي.

لكن وفي الوقت ذاته، كثيرا ما وجدت إدارة الرئيس أوباما الاتصالات القطرية مفيدة ولا سيما اتصالات الاستخبارات القطرية مع جبهة النصرة.
تصر دولة قطر وغيرها من المشاركين في عملية إطلاق سراح الصحافي كيرتس على عدم دفع فدية إلى المتشددين ويقولون إن نفوذها مع تلك الجماعة يستند في الأساس على استعداد الأخيرة على التعاون والتعامل معها.

وأيا =كان مصدر ذلك النفوذ فقد لعبت قطر دورا محوريا في الفوز بحرية الصحافي كيرتس وهو الجهد الذي اكتسب زخما إضافيا من قبل المناشدة التي وجهت لها من قبل ديفيد برادلي رئيس مجلس إدارة شركة أتلانتيك ميديا وعميل مكتب التحقيقات الفيدرالية المتقاعد الذي طلب عدم الكشف عن هويته لمخاوف أمنية.

وفي مقابلة أجريت في مكتبه في "ووترغيت بواشنطن" كشف برادلي لأول مرة عن تفاصيل تعاملاته مع الجانب القطري.

وقال برادلي إنه انخرط في القضية عقب مقابلته مع ابنة عم الصحافي كيرتس وتدعى "إيمي روزين" في حفل عشاء خيري العام الماضي في مدينة نيويورك حيث طلبت منه "روزين" المساعدة في العثور على الرجل المفقود ووافق برادلي على الفور.

ومن بين الأعضاء الرئيسين الذين استعان بهم برادلي في ذلك المشروع كان المستشار العام الخاص به وباحث سوري كان يمكنه مراقبة المواقع الجهادية والترجمة من اللغة العربية.

وفي وقت لاحق تعرف برادلي على العميل الفيدرالي المتقاعد الذي قضى سنوات عمله المهنية في تتبع تنظيم القاعدة والذي سوف يصبح شريكا قريبا لدى برادلي وعندما أوضح برادلي الموقف خلال العشاء قال العميل الفيدرالي المتقاعد نحن بحاجة للذهاب إلى الدوحة.

وبعد أسابيع من مقابلة الرجلين لأول مرة مع رئيس الاستخبارات القطرية كان عليهما الطيران إلى الدوحة مجددا للاجتماع به مرة أخرى.

واستمر الاجتماع في مطعم "الأرمني" اكثر من ساعتين حيث صرح الرجلان اللذان يتبادلان الحديث مع السيد غانم الكبيسي "مدير الاستخبارات القطرية" بأن أجهزته الأمنية قد عثرت على مكان الصحافي كيرتس باستخدام شبكة الاستخبارات القطرية واعتقد أنه يمكنه الخروج بالصحافي كيرتس من سوريا من دون دفع أي فدى للخاطفين.

وقال برادلي: كان معظم قلقي ينصب على الاتهامات بدفع الفدية حيث لن تدفع حكومة الولايات المتحدة أي فدى ولا تريد منه دفع أي فدى كذلك مما جعل القطريين يشعرون أنهم في موقف لا يحسدون عليه.

وقال العميل الفيدرالي السابق إن عملية تحرير الصحافي كيرتس تطلبت وضع عملاء الاستخبارات القطرية في وجه المتاعب واعتبارا للخطر المتوقع كان ينبغي الحصول على موافقة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على تنفيذ المهمة - حد قول العميل الأميركي المتقاعد.

وبمجرد التصديق على تنفيذ المهمة كانت هناك سلسلة من التعقيدات حيث قال العميل الفيدرالي المتقاعد إنه عند نقطة واحدة كانت هناك خطة لتحرير الصحافي كيرتس من خلال غارة باستخدام المسلحين المتعاونين مع الجانب القطري لكن القطريين اعترضوا على تلك الفكرة.

وكانت عائلة الصحافي المخطوف قد تسلمت مطالب بدفع فدية تقدر بخمسة وعشرين مليون يورو.

وقالت فيفا هارديغ إحدى بنات عم الصحافي كيرتس: لم نكن نعلم إذا كانت تلك الأرقام قادمة من الخاطفين أنفسهم أو جرى تضخيمها من قبل الوسطاء.

في نهاية الأمر فلن تكون هناك فدية حيث قال العميل الفيدرالي المتقاعد: إذا كانت المشكلة لقاء المال كان يمكن حلها منذ وقت طويل.

وفي وقت مبكر من الأسبوع الماضيوقبل فترة قصيرة من إعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي على يد تنظيم داعش تلقى برادلي والعميل الفيدرالي المتقاعد معلومات تفيد بإمكانية إطلاق سراح الصحافي كيرتس من قبل خاطفيه.

وفي الساعة التاسعة واربع دقائق من صباح السبت تلقى برادلي رسالة نصية من الكبيسي تقول: "انتهى الأمر" والإبهام الى أعلى وتعني "رمز التأكيد".

وفي تمام الساعة الحادية عشرة واربعون دقيقة صباحا تلقى برادلي رسالة نصية أخرى من رئيس الاستخبارات القطرية تفيد بأن بيتر الآن في أيدي أمينة.

انتقل الصحافي كيرتس إلى مرتفعات الجولان في الجانب السوري ثم إلى إسرائيل حيث كان عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية من مكتب واشنطن الميداني في انتظاره.

وصلت الأخبار إلى السيد نانسي كيرتس على الفور من خلال مكالمة هاتفية من أحد العملاء الفيدراليين الذين شاركوا في القضية. وأخبرت السيدة كيرتس أن ولدها في حالة جيدة.
وفي يوم الأحد تحدثت السيدة كيرتس مع ولدها أثناء وجوده في أحد فنادق تل أبيب وقالت في مقابلة إن ابنها كان مبتهجا للغاية.

قالت السيدة كيرتس إنها لا يمكنها الانتظار حتى عودته إلى موطنه سوف أصادر منه جواز سفره على حد قولها.

* ترجمة عن "واشنطن بوست"