كيف تنتهي أموال مساعدات الغرب إلى أيدي أقدم منظمة إرهابية؟

في تحقيق أجراه سام كيلي كبير المراسلين الدوليين لدى «سي. إن. إن.» كشف أن حركة الشباب الإسلامية التابعة للقاعدة تقوم بجني ملايين الدولارات سنويًّا، عن طريق استغلال أموال المعونات الأجنبية المرسلة إلى الصومال من الدول الغربية، التي تحاول القضاء على الجماعة الإرهابية.
 
وقال أعضاء سابقون في حركة الشباب الإسلامية وعملاء الاستخبارات الصومالية، إن الجماعة الإرهابية تجمع آلاف الدولارات يوميًّا، بجمع الضرائب من التجار الذين يحاولون نقل الإمدادات والمواد الغذائية لبيعها إلى المشردين داخليًّا في المدن التي يتمركزون فيها.
 
ويذكر التحقيق أن الأمم المتحدة قامت باحتواء الذين فروا من منازلهم إلى مدينة «بيدوا» في مخيم مترامي الأطراف وسط الصومال، وأصدرت لهم مساعدات مالية تتراوح بين 80 و90 دولارًا شهريًّا لتمكنهم من شراء السلع الأساسية من التجار المحليين.
 
ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة: إن نظام الدفع المباشر هذا سيجنب التشويش على الأسواق المحلية عن طريق مدهم بالمؤن المجانية، وتخفيف العبء على الأمم المتحدة في إدارة قوافل الأغذية المعرضة للهجمات والسرقة.
 
يقوم رجال الأعمال بإرسال الشاحنات الغذائية إلى السوق المفتوحة، حيث المناطق التي يصل إليها النازحون داخليًّا كل يوم مثل بيدوا، ولكن لنقل تلك البضائع يجب أن يدفعوا المال لحركة الشباب التي تسيطر على الطريق الرئيسي.
 
وقال أعضاء سابقون في المجموعة الإرهابية وعملاء الاستخبارات الصومالية: إن حصيلة الرسوم المالية تقدر بآلاف يوميًّا من الشاحنات والمركبات الأخرى عند حاجزين من حواجز حركة الشباب على الطريق الأكثر ازدحامًا في الصومال، وقدرت الأمم المتحدة أن حاجزًا واحدًا على الطريق المؤدي إلى بيدوا يجني نحو 5 آلاف دولار يوميًّا.
 
جامعو الضرائب
 
يعتبر هذا التحايل أكثر مهارة اليوم مما كان عليه في أوائل التسعينيات، عندما قام أمراء الحرب بتجويع مئات الآلاف من الصوماليين عمدًا للاستفادة من أموال المساعدات الدولية.
 
أكد جامع زكاة –ضرائب- سابق لحركة الشباب، الذي تم القبض عليه في غارة قام بها مؤخرًا عملاء من جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي، أن استخراج الرسوم على حواجز الطرق كان واحدًا من أكبر مصادر الأموال لحركة الشباب، وكان أكبر مصدرين هما: الطريق المؤدي إلى بيدوا، والطريق الرئيسي الذي يربط العاصمة مقديشو بمنطقة شبيلي السفلى الغنية زراعيًّا.
 
ويعتبر هذا التحايل أكثر مهارة اليوم مما كان عليه في أوائل التسعينيات، عندما قام أمراء الحرب بتجويع مئات الآلاف من الصوماليين عمدًا للاستفادة من أموال المساعدات الدولية، وقد أثارت مشاهد الموت الجماعي في شوارع بيدوا عام 1992 الولايات المتحدة لقيادة تدخل عسكري متعدد الجنسيات تدعمه الأمم المتحدة في العام نفسه.
وفي بيدوا آنذاك، جمعت شاحنة تعرف باسم «حافلة الموت» حوالي 100 جثة ملقاة يوميًّا كل صباح في شوارع المدينة، وكانت منظمات الإغاثة في غاية اليأس لسماح أمراء الحرب بالوصول إلى الضحايا الذين يعانون من الجوع، عمل القادة ما بوسعهم للحفاظ على المجاعة من أجل استمرار تدفق المساعدات المالية إلى خزائنهم حتى تدخلت الدول الغربية -الاستغلال الفعال لتحقيق الربح من شعب فاقد للأمل، في ذلك الوقت كان على منظمات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تدفع ثمن الحراس المسلحين– أنفقت اللجنة الدولية 100 ألف دولار في الأسبوع ثمن الحماية في مقديشو.
 
ونقل التقرير عن مقاتل سابق في حركة الشباب جمع الضرائب -الزكاة- مدة ثماني سنوات، ويعمل الآن مع وكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية، قوله: «إذا لم يدفع التجار المحليون يتم القبض عليهم وقتلهم»، وفي حديثه شرح كيفية تسليم أكياس الأرز إلى المدينة من التجار، وكيف أن حركة الشباب تأخذ حوالي ثلاثة دولارات للرسوم مع ما يقرب من نصف فرق السعر لكيس الأرز الذي يباع بقيمة 18 دولارًا في مقديشو و26 دولارًا في بيدوا، وعلاوة على ذلك يضطر التجار إلى دفع ضريبة سنوية إلى حركة الشباب حتى في المدن والقرى التي لا تخضع لسيطرة الجماعة مثل بيدوا ومقديشو، وقد تأكدت هذه الادعاءات من جهة الحكومة الإقليمية وحسن شيخ عدا رئيس دولة الصومال الجنوبية الغربية.
 
وأقر مايكل كيتنغ، وهو مسؤول محنك في الأمم المتحدة يتمتع بخبرة طويلة في أفغانستان والشرق الأوسط، بالعملية الاحتيالية، لكنه قال: «إن معظم المساعدات الخارجية ما زالت تصل إلى وجهتها المقصودة». وأضاف: «لسوء الحظ، فإن المحتاجين والذين تستهدفهم المنظمات الإنسانية للحصول على المساعدة، يصبحون مركز جذب لأولئك الذين يحاولون كسب المال بشتى الطرق والحيل المخادعة الممكنة».
 
أجبروا على الهروب
 
ولا يقتصر دفع الزكاة –الضرائب- على رجال الأعمال، فإنه يتعين على الصوماليين العاديين دفع ضريبة سنوية لمجموعة القاعدة التي كانت وراء الهجمات الإرهابية على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، والمذبحة التي وقعت في مركز ويستغات التجاري في نيروبي قبل أربع سنوات.
 
ويحكي التحقيق قصة فاطمة علي حسن، وهي أم لسبعة أطفال، والتي تمتلك قطيعًا من الماعز والأبقار، خرجت من منزلها بسبب القحط ومطالبتها بالمال من قبل حركة الشباب، وتعيش فاطمة الآن في خيمة مصنوعة من القماش في مدينة بيدوا، فاطمة واحدة من عشرات الآلاف الذين كانوا في طريقهم إلى هذه المدينة الجائعة.
 
ولكن حتى هنا هي فريسة لحركة الشباب الإسلامية مثل غيرها من النازحين الذين يعيشون في المدينة، ويقدر عددهم بـ270 ألف نازح، تخشى الأمم المتحدة من أن يؤدي القحط المستمر إلى تهديد الصومال بالمجاعة مرة أخرى، وأن تزيد فرص حركة الشباب بشكل أكبر للحصول على الأموال من المساعدات الخارجية، خاصةً إذا كانت الحركة تسيطر على الطرق الرئيسية عبر المناطق الداخلية من البلاد.
 
وينقل التحقيق ما قاله المقدم كريس أوجال: «بدلًا من الحد من قوات الاتحاد الأفريقي، كان ينبغي زيادة ذلك». وأضاف أوجال الذي يتولى الوحدة الأوغندية التي تسيطر على الطريق بين مقديشو وبلدة أفغوي الصغيرة: «إننا الآن نفرط في عملياتنا الهجومية» ويؤكد: «إن أي نقص في قوات الاتحاد الأفريقي سيترك حتمًا فراغًا ستملأه حركة الشباب».
 
ويذكر التحقيق أن هذا يترك عددًا متزايدًا من القوات الأمريكية بما في ذلك قوات العمليات الخاصة لتحمل العبء الأمني المستمر في الصومال، ولكن هذا العام هو الذكرى الخامسة والعشرين لمعركة مقديشو، التي قتل فيها 18 أمريكيًّا وأكثر من ألف صومالي، عندما حاولت القوات الخاصة الأمريكية القبض على محمد فرح عيديد أقوى قائد عسكري في الصومال آنذاك.
 
ويختتم سام تحقيقه الصحافي مؤكدًا أن أنظمة الفساد والتلاعب بالمساعدات في الصومال قائمة، وتقوم الآن بتمويل حركة إرهابية تسيطر على نحو ثلث البلد، ويمكن أن تصبح جاذبة لجهاديي داعش لتولي خلافتهم السابقة في سوريا والعراق.