أيمن دين.. صانع قنابل القاعدة أهم جاسوس بريطاني داخل التنظيم

لندن - كان أيمن دين محل ثقة داخل تنظيم القاعدة. تدرب مع خبير متفجرات في التنظيم. وتابع عن قرب تفاصيل دقيقة. وحضر لقاءات مع العديد من قادة التنظيم مثل أيمن الظواهري وخالد الشيخ أحمد.
 
وفي صيف 2006، كان أيمن دين (اسم مستعار)، في باريس عندما أرسل أحد رفاقه في القاعدة له رسالة نصية يخبره فيها أن هناك جاسوسا بينهم. لم تكن الرسالة النصية تتهم دين بأنه الجاسوس، لكنه تيقن من أن أمره سيكتشف قريبا، وسيعرفون أنه هو الجاسوس.
 
من إرهابي إلى جاسوس
 
نشأ دين في السعودية وانضم للمسلمين الذين يقاتلون الصرب في البوسنة منتصف التسعينات وبعدها انتقل إلى أفغانستان حيث أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة أمام أسامة بن لادن شخصيا. وظل دين عضوا مهما في القاعدة باعتباره أحد أكثر صناع القنابل نجاحا.
 
لكن، انقلب الوضع الذي حوله إلى جاسوس يعمل لفائدة أجهزة المخابرات البريطانية ثم انتهى بفتوى من القاعدة تبيح دمه. كانت نقطة الانقلاب إحساسا غريبا انتاب دين بشأن الهجمات الانتحارية ومقتل المدنيين الأبرياء التي نشطت فيها القاعدة في نهاية التسعينات من القرن الماضي.
 
في البداية، غادر دين، الذي كان كثير السفر، مقر التنظيم في أفغانستان، بشكل طبيعي دون أن يوحي بأي تغيير طرأ عليه. لكن، لم تطل غيبته بما يثير الشكوك حوله. عاد دين بعد أسابيع، لكن ليس كعضو في تنظيم القاعدة بل كعميل مزدوج نجحت الاستخبارات البريطانية في تجنيده ليتجسس على القاعدة.
 
عاد دين معرضا نفسه لمخاطر كبيرة إلى معسكرات القاعدة في أفغانستان حيث لم تكن هناك أي فرصة للنجاة لو تم اكتشاف أمره، لذلك أطلقت عليه المخابرات لقب “الجاسوس ذي التسع أرواح” وبحكم موقعه بقلب البرنامج الكيميائي للقاعدة، تمكن دين من تقديم معلومات استخباراتية بالغة القيمة وكشف مخططات أنقذت حياة الكثيرين.
 
واستمرت مهمة دين من سنة 1998 إلى سنة 2006، حيث انتهت مهمته، عندما تداولت وسائل الإعلام خبرا عن تفاصيل حول جاسوس بريطاني اخترق تنظيم القاعدة، نقلا عن مقتطفات نشرتها مجلة تايم ضمن تقديمها لكتاب “ذي وان بيرسينت دكتورين”، للصحافي الحائز على جائزة بوليتزر رون سوسكيند.
 
وقال دين لشبكة “أن.بي.سي نيوز″ الإخبارية “لقد كنت غاضبا جدا. لقد فكرت أنه كان من المفترض أن تكون المعلومات سرية. لكن تسريب المعلومات جاء أيضا كالصدمة لكل من جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (أم.آي6) وجهاز الاستخبارات الحربية (أم.آي5).
 
وبمجرد انتشار الخبر أمر البريطانيون دين بأن يستقل قطار يوروستار إلى لندن في أقرب وقت ممكن. وفي غضون خمس ساعات، قام أحد مدربيه باستقباله على رصيف محطة واترلو. وفي عام 2008 أصدر تنظيم القاعدة فتوى أحلت دمه.
 
ومؤخرا، تحدث أيمن عن تجربته في كتاب، ساعده في تأليفه تيم ليستر وبول كريك شانك، وحمل عنوان “تسع أرواح: كيف كنت أهم جاسوس لصالح الغرب داخل القاعدة”. كشف من خلاله دين عما رآه وسمعه، وعن مخاوفه.
 
تحدث رون سوسكيند في كتابه عن شخصية جاسوس هو في نفس الوقت العضو الموثوق به في تنظيم القاعدة. قدم تفاصيل عن هجوم مخطط عام 2003 على مترو أنفاق نيويورك، وكشف أيضا عن رئيس برنامج أسلحة الدمار الشامل في التنظيم، بل وسرق تصميم التنظيم لسلاح إرهابي جديد وأعطاه إلى المخابرات الغربية، وكان مفصلا جدا بحيث لا يمكن أن يتناسب إلا مع عدد قليل من الأشخاص داخل التنظيم.
 
تم تعريف الجاسوس باسم علي، وهو الاسم الذي وُلد به دين، والاسم الذي استخدمه داخل تنظيم القاعدة. وقد كتب دين في كتابه “الأرواح التسع”، “كل فقرة من كتاب رون سوسكيند في كتابه هناك شخصية جاسوس وفي نفس الوقت هو عضو موثوق به في تنظيم القاعدة قدم تفاصيل عن علي، حتى بدأت الصورة تتضح وبدت قريبة جدا مني”.
 
وبعد إرسال العديد من البرقيات بين جهاز الاستخبارات البريطاني ووكالة المخابرات المركزية، قال دين إن مدربيه كشفوا له حقيقة من سرّب هذه المعلومات، وهو شخص يعمل في مكتب نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني.
 
أي دور لقطر
 
يتحدث دين عن بداية انضمامه إلى القاعدة مشيرا بقوله “حدث حين قرر مدرس الرياضيات الذهاب إلى البوسنة وكان عمري أربعة عشر عاما. كان من عائلة ميسورة، وذهب إلى البوسنة للجهاد. وهناك قتل. من خلاله أصبح القتال الدائر على بعد آلاف الكيلومترات منا عبارة عن واقع نلمسه في فصلنا. هذا الأمر بطريقة أو أخرى أثار فضولي، وفي نفس الوقت اهتمامي بفكرة الجهاد من أجل الدفاع عن مدنيين يتعرضون لحرب إبادة جماعية. لم أكن بحاجة لأكثر من عامين شاهدت خلالهما الكثير من لقطات الحرب، ويمكنكم تصور كيف أثرت في نفسي فظاعة ما شاهدت، فلم أشأ أن أكون على هامش التاريخ، بل قررت أن أصبح جزءا منه”.
 
ويضيف “مع اقتراب نهاية الحرب في البوسنة، أتيحت لي فرصة الجلوس مع خالد شيخ محمد، الذي أصبح بعد ذلك العقل المدبّر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. كان قد أتى إلى البوسنة بحثا عن مواهب. كان يدرك أن الحرب في البوسنة حولت كثيرين إلى أعداء للغرب، دعونا نسمي الأمر بهذه الطريقة. وأثار حماسنا بالقول إن الحرب، أو طبيعة الصراع وطبيعة الجهاد سيتغير من جهاد محلي ضد مجموعة من المسلمين إلى جهاد عالمي ضد الأميركيين لطردهم من العالم الإسلامي بأسره. وليتحقق ذلك، كان علينا العودة إلى أفغانستان والحصول على تدريب أفضل لنستعد بطريقة مثلى لذلك الشكل الجديد من أشكال الصراع. أصغيت إليه في النهاية وقررت الذهاب إلى أفغانستان. وبعدها بعام واحد، ذهبت إلى أفغانستان بالفعل، وهناك انتهى بي الأمر إلى مبايعة أسامة بن لادن وأصبحت عضوا في القاعدة”.
 
وفي رد على سؤال طرحه على دين سكوت سايمون الصحافي في شبكة أن.بي.آر الأميركية، بشأن كيفية تحوله إلى صانع متفجرات، يقول دين “كنت صبيا محبا للقراءة وللمذاكرة، وأدرك القادة في التنظيم أني لا أصلح للأعمال القتالية، بل رأوني مفيدا أكثر في الأبحاث وأعمال التطوير، في كل ما يتعلق بالمتفجرات والأسلحة الكيميائية والسموم”.
 
في أغسطس 1998، حين هاجم تنظيم القاعدة سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي بكينيا ودار السلام بتنزانيا. قتل 12 دبلوماسيا أميركيا، لكن في الحقيقة قتل كذلك 220 كينيا من الأبرياء وأصيب خمسة آلاف. ويقول دين بخصوص هذه العملية “إن كان لديك أي قدر من الأخلاق، فسيثقل هذا كاهلك بشكل هائل وستبدأ بالتساؤل عن مبرر لما حدث”.
 
وقال دين إن عدد الضحايا أثار استياءه بشدة، بالإضافة أيضا إلى تبرير قادة القاعدة للهجمات على أسس دينية. وأضاف “في خضم هذه الشكوك والمجادلة والصراع النفسي، أيقنت حقيقة واحدة وهي أنني لم أعد أؤمن بالدافع الأخلاقي الذي شعرت به أثناء معركتي في البوسنة”.
 
توجه دين، الذي كان في أفغانستان وقتها، إلى قطر هربا من التنظيم. تم التعرف عليه في قطر من قبل مسؤولي المخابرات القطرية. وقال دين للقطريين إنه لم يعد يؤمن بالتنظيم وممارساته وأنه على استعداد للتعاون والتجسس على التنظيم. وكنتيجة لذلك، نصحه القطريون بالتعامل مباشرة مع أجهزة المخابرات الغربية بدلا من ذلك، وعرضوا عليه فرصة العمل لصالح الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا، وأعطوه نصف ساعة من الوقت للتفكير واتخاذ القرار.
 
واختار دين، الذي لم يتحدث الفرنسية وكان لا يشعر بالارتياح تجاه الأميركيين، جهاز المخابرات البريطانية. وقال “لقد شعرت بالحماس وأنا أبدأ مرحلة جديدة من حياتي. عملت شهيتي للمغامرة على تقويض أي إدراك قفز إلى عقلي عما يمكن أن أواجهه في هذه المرحلة الجديدة”.
 
ساعده القطريون على السفر إلى لندن في ديسمبر 1998، حيث التقى بمدربيه البريطانيين. في البداية، اعتقد دين أنه سيعمل لصالح الخدمة السرية لبضعة أشهر، لكن المخابرات البريطانية كانت لديها خطط مختلفة، خاصة عندما علمت بخبرته الواسعة في كيفية عمل تنظيم القاعدة.
 
ثم أعاده جهاز الاستخبارات إلى أفغانستان، حيث تدرب على صنع القنابل في أحد أكثر معسكرات القاعدة تشددا، في الوقت الذي بدأ يرسل فيه المعلومات لجهاز المخابرات البريطانية.
 
وكان من ضمن أكبر إنجازاته تزويد البريطانيين بتصميم سلاح كيميائي خطير تم تصنيعه من قبل التنظيم بحيث يمكنه نشر غاز الكلوريد السام. قام دين بتنزيل التصميم على بعض أقراص الكمبيوتر المرنة، وسافر بها إلى بريطانيا. وكانت معلوماته مفصلة للغاية لدرجة أن وكالة الاستخبارات المركزية تمكنت من عمل نسخة وإرسالها إلى مكتب تشيني.
 
وتأكد اعتقاد دين بأنه سيتم اكتشافه في نهاية الأمر بعد عامين من هروبه إلى لندن، عندما علم جهاز الاستخبارات البريطانية بالفتوى التي صدرت ضده، وهي “أي مسلم يقابل دين يجب عليه أن يقتله”. أوكان آدم غدن من ضمن أعضاء التنظيم ممن تعرفوا على دين.
 
ويكتب دين في كتابه “شعرت حينها بالغضب الشديد تجاه من قاموا بتسريب هذه المعلومات لرون سوسكيند. حيث كان العديد من كبار المسؤولين في إدارة بوش يتطلعون حينها لشغل وظائف مربحة في القطاع الخاص أو عمل صفقات كتب مربحة. ومن ناحية أخرى، كنت أقف كأولوية على قائمة الاغتيالات الخاصة بالتنظيم، وذلك بسبب بعض الواشين في واشنطن”.
 
وردا على سؤال الشبكة الأميركية حول ما إذا كان لا يزال يشعر بالخوف على حياته، قال دين إنه لم يعد قلقا بشأن ما يمكن أن يحدث له “بالأساس، مات أولئك الذين هددوني. حيث قتل بن لادن في غارة أميركية في عام 2011، بينما توفي غدن في غارة جوية أميركية أخرى في عام 2015”.
 
نقل المعلومات
 
في رد على سؤال طرحه سكوت سايمون على دين: كيف تسنى له إرسال المعلومات عن القاعدة إلى لندن، قال إن الأمر يتوقف على الإطار الذي أعمل من خلاله. فأفغانستان على سبيل المثال كانت بمثابة ثقب أسود. لا يمكن التواصل من هناك.
 
في تلك الفترة لم تكن هناك هواتف محمولة، بل لم تتوفر حتى هواتف أرضية، ليتسنى الاتصال من خلالها. لذا كان يجب في البداية أن ينتقل من أفغانستان إلى باكستان ليكون بوسعه أن يبعث برسالة أو يلتقي بأحد مشغليه هناك.
 
ويتحدث دين عن قلقه في تلك الفترة، مشيرا في حواره مع سكوت سايمون، “كنت دائما على يقين بأن أول خطـأ ارتكبه سيكون الأخير. العمل في الخفاء لـ8 سنوات يضع ضغطا هائلا على صحتك النفسية والذهنية. وخلال الفترة التي قضيتها داخل أفغانستان، اكتشفت القاعدة أمر خمسة جواسيس وتم إعدامهم. كانوا يعملون لصالح المخابرات الأردنية أو المصرية. كنت أفكر في أن هذا قد يصبح مصيري أنا أيضا”.