النظام الإيراني منهك: حرب نفسية وسياسية واقتصادية

لم تجد تصريحات المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي التي تقلل من أهمية الضغوط الأميركية، آذانا صاغية في الداخل كما في الخارج. ورغم دعوات خامنئي بالوحدة ظهرت انقسامات بين النخبة الحاكمة في إيران حيث دعا بعض المحافظين إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وانتقدوا الرئيس حسن روحاني لما وصفوه بسوء الإدارة الاقتصادية، في حين ذهب البعض إلى حد المناداة بموت النظام.

ضاع صدى صوت المرشد الأعلى وهو يقول إن الضغوط الاقتصادية الأميركية على إيران تهدف إلى تأليب الإيرانيين على حكومتهم، وسط أصوات المظاهرات المتعالية من كل صوب داخل البلاد بالتزامن مع تقارير دولية بعضها يتعلق بالعقوبات الأميركية وبعضها الآخر قرارات دولية تتعلق بممارسات النظام الإيراني.

من أحدث هذه القرارات تحذير صدر عن مجموعة العمل المالي، وهي هيئة دولية تراقب عمليات غسل الأموال على مستوى العالم، يمهل إيران حتى أكتوبر 2018 لاستكمال إصلاحات تجعلها تتماشى مع المعايير العالمية وإلا ستواجه عواقب قد تزيد عزوف المستثمرين عنها.

وقالت مجموعة العمل المالي، التي تضع طهران على قائمتها السوداء لمكافحة عمليات غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، في بيان بعد أسبوع من المداولات في باريس إنها “تشعر بخيبة أمل بسبب تقاعس إيران عن تنفيذ خطة عملها لمعالجة أوجه القصور الكبيرة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

وطالبت إيران بأن “تسن تعديلات على قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع الامتثال الكامل لمعايير مجموعة العمل المالي بحلول أكتوبر 2018 وإلا ستقرر المجموعة الإجراءات المناسبة واللازمة في ذلك الحين”.

ورغم استناد المجموعة الدولية إلى عدة براهين وأدلة واضحة إلا أن المسؤولين الإيرانيين يصرون على السير في سياسة الهروب إلى الأمام ونظريات المظلومة والمؤامرة مصحوبة بتهديدات حول تنشيط السلاح النووي، وهي سياسة لم تعد تأتي ثمارها منذ أن رفع المتظاهرون في قلب المدن الإيرانية شعارات “الموت لخامنئي” و”الموت للنظام” و”اخرج من سوريا واعتنِ بنا” و”لا غزة لا لبنان روحي فداك إيران”.

اليوم، تعلو أصوات هذه الشعارات على صوت خامنئي، الذي قال في أحدث تصريحاته، (السبت) إن الأميركيين “يمارسون ضغوطا اقتصادية لإحداث فرقة بين الأمة والنظام.. سعى ستة رؤساء أميركيين قبله (مشيرا إلى ترامب) لتحقيق هذا لكنهم يئسوا”.

وخلال مراسم تخرّج ضباط في الحرس الثوري اتهم خامنئي الولايات المتحدة ودولا خليجية عربية سنية بمحاولة زعزعة الحكومة.

وجاءت تصريحات خامنئي بعد احتجاجات استمرت ثلاثة أيام في طهران ومدن أخرى أغلق خلالها المئات من التجار في البازار متاجرهم تعبيرا عن الغضب من انخفاض قيمة العملة المحلية.

وفقد الريال الإيراني ما يصل إلى 40 في المئة من قيمته منذ الشهر الماضي عندما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وقال إنه سيعيد فرض العقوبات على إيران وسيسعى للحد من صادراتها النفطية.

وألقت إيران باللوم على العقوبات الأميركية في انخفاض قيمة الريال وقالت إن تلك الإجراءات تصل إلى حد الحرب “السياسية والنفسية والاقتصادية” على طهران على الرغم من أن بعض المسؤولين أقروا بأن التهديد كشف عن إخفاقات خطيرة في الداخل.

وبذات النبرة المتعالية، لكنها في نفس الوقت تكشف عن قلق النظام الإيراني، قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، إنه بالإمكان إعادة مفاعل أراك إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي في غضون عام أو حتى 6 أشهر.

ومن خلال تصريحه، يثبت كمالوندي صحة ما ذهبت إليه التقارير الدولية بشأن عدم التزام إيران التام ببنود الاتفاق النووي وبأنها قامت بمراوغة مجموعة 5 زائد واحد والمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي.

ويقول مسؤولون ومحللون إن الضغوط الأميركية المتنامية التي تقترن بحالة من السخط الشعبي بين كثير من الإيرانيين على الوضع الاقتصادي بدأت تهز الجمهورية الإسلامية دون مؤشرات تذكر على أن قادتها يملكون أي حلول.

وقال مسؤول مقرب من خامنئي “البلاد تتعرض لضغوط من الداخل والخارج. لكن يبدو أنه لا توجد خطة لإدارة الأزمة للسيطرة على الوضع”، في حين ذهب مسؤول آخر إلى أنه “لا يمكن تعليق مسؤولية المشكلات الداخلية على عقوبات لم تطبق بعد”.

وعلى الرغم من أن هتافات “الموت للدكتاتور” تشابه هتافات “الموت للشاه” قبل أربعة عقود في البازار، يستبعد محللون ومطلعون احتمال أن تكون إيران على شفا تغيير جذري جديد في المشهد السياسي، وقال دبلوماسي إيراني في أوروبا “لن تهدأ تلك الاحتجاجات بسهولة بالنظر إلى الضغوط الاقتصادية الحادة… لكن فرصة تغيير النظام هي صفر لأن الإيرانيين لا يريدون ثورة أخرى ويشكون في أنها ستقود إلى الأفضل”.

مع ذلك، يتوقع المراقبون أياما صعبة قادمة، حيث ستقترن كل المشكلات الراهنة بأزمة داخلية بين أجنحة النظام وسيكون طرفها الرئيسي الحرس الثوري، الذي يتوقع أن يقود صف المحافظين المتشددين في مواجهة المعتدلين.

وتظهر هذه المشاحنات من وقت إلى آخر، وبرزت بشكل كبير خلال الانتخابات الماضية، وأيضا في الفترة التي أجرى فيها المرشد الأعلى عملية جراحية بسبب إصابته بسرطان البروستاتا، وما تردد عن ضرورة البحث عن خليفة له، وهي أخبار تظهر وتختفي منذ سنة 2016.

ويذهب الخبراء إلى اعتبار أن هذا السيناريو يعد ضمن السيناريوهات التي يأخذونها بعين الاعتبار عند تحليل أسباب المظاهرات العارمة التي اجتاحت إيران منذ نهاية 2017 واستمرت بوتيرة غير مستقرة، من منطقة إلى أخرى.

وعاودت الاحتجاجات الظهور بقوة، الأحد الماضي، عندما ندد تجار البازار وأصحاب المتاجر الغاضبين بالانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية. وتمثل تلك الاضطرابات تحديا كبيرا واكتسبت طابعا سياسيا حيث ردد المتظاهرون شعارات مناهضة للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي وشخصيات أخرى من كبار المسؤولين الذين وصفهم المحتجون بـ”اللصوص وطالبوا بتنحيهم عن السلطة”.

وثار غضب تجار البازار، والذي كان ولاؤهم في الأغلب للقيادة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بسبب ما وصفوه برد الفعل المضطرب من جانب الحكومة على الأزمة التي قالوا إنها تسببت في ارتفاع حاد للأسعار جعل من ممارسة التجارة أمرا شبه مستحيل.

ويشتكي تجار البازار من منافسة الشركات التابعة لقوات الحرس الثوري الذي خلق طبقة جديدة من التجار العسكريين تختلف عن الطبقة التقليدية للبازار. وبات الحرس الثوري، وسطوته، أكثر ما يثير القلق داخل إيران كما خارجها.

لكن، تبقى الصورة أفضل كثيرا من السنوات السابقة بالنسبة للمعارضة الإيرانية، غير الدينية، أي تلك التي لا تحسب على النظام بشقيه المعتدل والإصلاحي، والذي يختلف مع الشق المحافظ في بعض التفاصيل الخارجية لكنه لا يختلف عنه في التشبث بفكرة ولاية الفقيه.

ترصد هذه المعارضة أن قطاعا متزايدا من السكان في إيران لم يعودوا مفتونين بالفكرة الخمينية. وبالرغم من أن رجال الدين لا يزالون ممسكين بزمام الأمور، فمن غير المتوقع أن يبقى النظام قادرا على الصمود لمدة طويلة.